إن الله وصف نفسه بالرحمن ، ووعد عباده بالرحمة و هو كبير طيب لا يتصف و لا يعد إلا بمعالى الأمور. فالرحمة إذا من الصفات العالية الرائعة القيمة المتنافسة فيها.
وقد زرعها في قلوب عباده ليتراحموا. فلو لا الرحمة لما ولد مولود، و لو الرحمة لضاع الفقير و الصغير و الأسرة و كل من يقوم بجريمة صغيرة.
لا بد من الرحمة بين المجتمع و الأمة ليتماسك الشعوب ، و ليعيشوا في هدوء و طمأنينة.
فالرحمة على الأولاد هي تربيتهم تربية حسنة . فعلى الوالدين أن يرحماه قبل أن يولد بترك المعاصي و فعل الخيرات. ثم تسميته باسم حسن ، ثم تعليمه و تربيته على الطاعات و الحسنات، و تنحيه عن السيئات و المنكرات . و عدم ضربه إلا إذا اشتد الأمر ، و العفو عما حدث عنه بسبب طفولته ، و ألا يضرب أكثر مما يستحق . فالطفل فلذة كبد الوالدين و يحتاج إلى الرحمة و الشفقة أكثر من غيره. و الوالد الرحيم هو من سعى بولده إلى ما فيه خير له في الدنيا والآخرة بحكمة و شفقة وكذالك الأم .
و لا بد من الرحمة على الزوجة و شقيقة الحياة. فهي ضعيقة و أخطائها كثيرة .فعليك باللين و الرفق، فلا تشدد عليها فتنكسر ، و العدالة لها من الرحمة. و إياك و الضرب إلا في الفاحشة. و إذا ضربت فلا تشدد واجتنب الوجه. و من الرحمة إظهار النحبة لها و إرضائها ، و أن تشكرها على خدمتها لك ،و تقدم الهدايا لها. و اعلم أنك إذا رحمتها و شرفتها و كرمتها أطاعتك في كل خير تأمرها به ، و إلا فلا ، حتى و لو أطاعتك خوفا منك فستعصيك في غيابك فاحذر. فالرحمة تزرع المحبة في قلبها و العنف يزرع الكره فيها.
و لا بد للحاكم أن يرحم المحكومين عليهم ، صغيرهم و كبيرهم رجالهم و نسائهم . و رحمته تتشكل ، بالعدل بينهم و تفقد أحوالهم ، و سد حوائجهم و التقرب بهم كواحد منهم دون حجاب و لا ستار. و لا بد من سماع شكواهم و الصبر على أذاهم رحمة بهم و شفقة عليهم. فالحاكم الرحيم تطيعه رعيته و الحاكم الغليظ الذي لا يرحم تلعنه أمته.
و قد أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذالك حيث قال ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظا القلب لانفظوا من حولك) ثم أمره بالصفح و العفو. وفضل العفوا كثير جدا في كتاب الله. حتى و صف المتقين بأنهم ( الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس) والعفوا لا يأتي إلا من قلب رحيم.
ويجب على الأولاد أن يرحمو والديهم في الدنيا، بحدمتهم و الترفق بهم و القول لهم قولا حسنا، و في الآخرة بالدعاء لهم و طلب المغفرة لهم. فكما كنت تحتاج إلى الرحمة في صغرك فهم يحتاجونه في كبرهم. و إياك أن تقسوا عليهم فتضيع في الدنيا و تهلك في الآخرة. فاكسب الجنة بهما و أنج بخدمتهم من النار. و هذا أمر واجب بكتاب الله تعالى ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) . فعلى المرء أن يبدء الرحمة بهما قبل أولاده و أهله، لكونهما سبب وجوده.
والرحمة ضرورية بين المجتمع ، فمجتمع لا رحمة بينهم حري بالفشل و الخذلان . فإذا عمت الرحمة بين الناس فشا العدل و الإحترام ، و إذل فشا ذالك أنزل الله عليهم رحمته و عفوه.
لا بد من إطعام المسكين و سد فقر المحتاج، و إعادة المريض و تفقد أحوال المصابين . و لا بد من العلم بأن الرحمة بينهم ، صفة من صفات الأمة المسلمة ( أشداء على الكفار رحماء بينهم) فمن لم يتصف بهذا فهو ليس من الأمة في شئ. و قد انعكس هذا الأمر في زمننا - و الله المستعان- فنرى الحكام يرحمون الكفار و يقسون على المسلمين و أبناء جلدتهم ، فلا راعوا دينا و لا عرفوا لنا نسبا، فاللهم إنا نشكو إليك قلة حيلتنا و ضعفنا فارحمنا.
و الرحمة تسع حتى الكفار، و تكون بدعوتهم إلى ما ينجيهم في الدنيا و الآخرة.و تعاملهم معاملة حسنة لطيفة تقربهم إلى الإسلام .
من أراد الرحمة من السماء أظهرها في الأرض ، لأن الجزاء من جنس العمل.
و السلام
No comments:
Post a Comment
شكرا على التعليق