Sunday, February 10, 2019

كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته

لقد بين المصطفي صلى الله عليه وسلم بكلمات قصيرة موجوزة ، الحيات كلها ، ونصح الأمة بهذا الحديث الواحد نصيحة بالغة شاملة.
فالرعاية معناها المسئولية عن الشئ ، بحيث أن الإنسان يحاسب على ذالك الأمر ، يجازى إن أحسن في الرعاية و يعاقب إن ضيع ما و كل إليه.

وقد و ضح الحديث أن كل إنسان على وجه الأرض مسؤول و راع ، و سيسأل يوم القيمة عن ما وكل إليه . ثم ذكر صلى الله عليه وسلم بعض الأمثلة لإيضاح الأمر ، فبدأ بالحاكم لكونه صاحب الأمر و السلطة ، و لأن مسئوليته أعظم بكثير من غيره و أن حسابه أشد و انكل عند الله من كل من تحت امرته. 

فالحاكم هو الدماغ والقلب و الروح للشعب ، فإذا فسد فسد المجتمع بأكمله و ذنبهم عليه دون أن ينقص من ذنوبهم شئ. و إذا صلح صلح المجتمع ، وعمت البركة البلاد و العباد.
لذا بدأ به، و كأن الحديث يشير إلى خطورة الحكم ، لأن الإنسان العادي ما عليه إلا نفسه ، إن أخطأ جنى على نفسه فحسب ، و أما الحاكم فقد يهلك خطئه الأمة بأكملها بعامتها و علمائها، لذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله حاكما عادلا صادقا بارا قائما بالكتاب و السنة ، لأنه هو الذي ينجو بنفسه و شعبه في الدنيا و الآخرة.

والعجب أن بعضا الناس يظنون الحكم امرا سهلا و يتنافسون فيه ، و يجرون و راءه، لا ليصلحو بل ليأكلوا اموالا الناس بالباطل ، فهم جمعو بين مكروه و محرم في الإسلام . فطلب الرئاسة و السعي إليها مكروه و أكل أموال الناس و السعي بالفساد في الأرض و البلاد حرام يوجب النار. و لو عرف هؤلاء مسؤولية الحاكم حق المعرفة،  و علموا ما سيحدث له في الآخرة و كيف سيحاسب لهربو من الحكم هروب الشيطن من الآذان ، و ما تقربو منه بل فر كل بنفسه .
ولكن جهلهم وعدم حيائهم قادهم إلى أن يتنافسو و يتفاخروا بالمحرمات والظلم و سفك الدماء و انتهاك المحرمات و عدواة المسلمين واستحلال محرماتهم و التقرب من الكفار و عدم المبالاة بالإسلام و المسلمين. فما سعى إلى الكرسي إلا رجل اتفقت الأمة على أنه لا يوجد أولى منه أو فاسق جاهل متكبر 

وقد كان الصحابة يفرون من الولاء حتى يجبروا على ذالك ، ليس لأنهم كانوا ظالمين أو جاهلين - والعياذ بالله- بل لعلمهم و معرفتهم بخطورة الأمر و عظمه و شدة الحساب عند الله ، ولأن الله قال في كتابه ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) فقد كاتوا علماء ربانيين خاشعين خاضعين لله.لذا تركوا المنصب و ساروا تحت منهم ادنى منهم .

وايضا الحكم يحتاج إلى العقل و الفهم و حسن التدبير ، فقد يمكن أن يكون رجل ذو مقام في العلم والتقى والورع تحت رعاية من هو أدنى منه مرتبة، لكونه أعلم منه بالحكم و أدرى منه للأمور.و قد نصح صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألا يولي شيئا من أمر المسلمين لضعفه في الحكم ، إما لكونه شديدا أو لكونه عاطفيا أو لكونه ممن لا يحسنون تدبير الحكم،  و أيا كان فلا بد للحاكم من أن يكون يقضا ذكيا .

على الذين يختارون الحكام في زمننا ، عليهم أن يتقوا الله و لا يختاروا للمسلمين من لا يصلح لإدارة غرفة واحدة مقابل أموال قليلة رذيلة تهلكهم في الدنيا و تهوي بهم في الدرك الأسفل من النار. لا بد أن يعرفوا أن الأمة تثق بهم و زمامها بيدهم فإما أن ينحو بها نحو القمة و العلو أم أن ينحطو بها نحو الرذيلة و الدمار.

و ليعلم الحاكم ايضا أنه محاسب على كل صغيرة و كبيرة ، و حتى الطفل الذي يبكي في البادية بالجوع هو المسؤول عنه،
فليتقوا الله وليرحمو الأمة و ليعلموا أن الله لينتقم من الظالم عاجلا أو آجلا ، فمن ظن أنه يقدر على الله فليظلم و من يعرف قدرة الله القهار فليعدل.

و أيضا ليعلم أنه خادم للرعية ، والخادم إن أدى حق سيده فله الجزاء ، و إن عق عليه يطرد و يحاسب. له الطاعة في غير المعصية و عليه الحكم بالعدل و السعي في المصلحة و إقامة الأحكام و إحياء شعائر الإسلام و إقامة الأمن والسلام و سد حوائج الشعب .
فياأيها الحاكم أنت الضوء الذي يستضيئ به الشعب في ظلمات الفقر والخوف ، فاتق الله ولا تطفئ الرجاء فيك،  فلو هديتهم نجوت في الدنيا و الأخرة و لو هلكتهم فاعلم أنت الأول.

من أراد نعمة الآخرة و اسم صدق في الدنيا فعليه بفهم الحديث كما هو و القيام بما يأمر.

والسلام.

No comments:

Post a Comment

شكرا على التعليق

كن شجاعا ....

. الشجاعة محمودة و الجبن مذموم . يطلب من الانسان أن يكون شجاعا في أقواله و أفعاله و حركاته و سكناته و عزائمه و تفكيراته و تدبيراته. الشجاعة ...