Sunday, March 3, 2019

حكم الخروج على الأئمة

قد عمت الفتن و البلايا و المصائب على الأمة في هذا الزمن. ففشا القتل و الهرج و الظلم و العدوان.  و قل العدل و طغى الحاكم على المحكومبن و المحكومون على الحاكم. و تولد من هذا الفتنة العظمى ، ألا وهي الدمار الشامل للبلاد و العباد. فهدمت المدن و استحلت الدماء و ضاعت الحضارة و هويت الأمة إلى الزوال.

و قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتن و أخبر أن هذا سيحصل في آخر الزمن. و نصح الأمة من القتل و الظلم بينهم ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) و قد صدق صلى الله عليه وسلم.  فقد فشا القتل بين المسلمين في هذا الزمن حتى لا يدري القانل لم يقتل و المقتول لم قتل.و هذا أيضا من علامات الساعة كما ورد في حديث آخر.

و من الفتن أيضا ، التى تسبب الهلاك الشامل لكل صغير و كبير  فتنة الخروج على الأئمة. و هذا أمر لا يجوز عند جمهور العلماء سلفا و خلفا. و قد ورد في الأثر ما معناه، إذا جائكم أحد يريد شق عصا الطعاة و أمركم مجمع فاضربوا عنقه. يعني يجوز قتل من أراد الفتنة بين الأمة. و ورد في الأثر أيضا عندما أخبر صلى الله عليه وسلم عن الحكام الظالمين الذين سيأتون و يأخذون حقوق الناس ، سأله الصحابة ماذا نفعل فقال ( أدو ما لهم واسألوا الله مالكم) . و قد نهى صلى الله عليه وسلم الخروج على الإمام حتى و إن ( جلد ظهرك و أخذ مالك).

و السبب في النهي ، ليس لأنه محق بظلمه و أن الإسلام يجيز له ذالك.بل المراد من النهي هو سد باب فتنة أكبر من ظلمه وهي الإختلاف بين المسلمين و انتشار الظلم بينهم . فالحاكم الظالم غالبا يكون أقوى من المظلومين ، فلو خرج الناس عليه بسيوفهم سيقتلهم جميعا و سيجعل الأمة تهلك بعضها البعض. و هذا كله، إذا كان الحاكم ظالما و ظلمه ظاهر للجميع . و لذا منع كبار الصحابة الحسين بن علي رضي الله عنهما الخروج على يزيد ، لمعرفتهم أن هذا لا يجوز و أن هذا سيجلب للإسلام فتنة أكبر . و قد جلب و حدث ما كانوا يخشونه. فاستشهد سبط رسول الله صلى الله عليه و تولدت فتنة الرافضة التي ما زالت موجودة إلى هذا الزمن.

و قد قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه لمن كان يريد قتل الخليفة الشهبد عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما معناه ، لا تقتلوا هذا الشيخ فوالله لئن فعلتم ذالك لن ترفع عنكم السيف إلى قيام الساعة. و قد صدق رضي الله عنه.  فمنذ ذالك الوقت إلى يومنا هذا ، و الأمة تقتل بعضها البعض و تخرج على أئمتها بالسيف و السلاح.

و قد حذر صلى الله عليه وسلم عن الخوارج و أمر بقتلهم و قتالهم.  و أخبر بأنهم كلاب أهل النار و أسوأ خلق الله. و أن من قتلهم خير شهيد. و أنهم ليسوا من الدين في شئ. و الخوارج هم الذين بدأو الخروج على الأئمة فقتلوا - لعنهم الله - ذي النورين و حيدر رضي الله عنهما. صحابيين جليلين من العشرة المبشرين بالجنة. فمن أغبى من يطلب الجنة بقتل أولياء الله و صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و لا يعنى كل ما ذكرناه تجاهل ظلم الحكام في هذا الزمن. فهم يسعون لهدم الدين أكثر من اليهود و النصارى. هم آلة حادة للكفار مسلطة على رقاب الأمة. يقتلون علمائها و يسجنون شبابها يذلون شرفائها و مثقفيها و يرفعون شأن الحثالى و من لا قيمة لهم في الدنيا و الآخرة. هدموا و شوهوا سمعة الإسلام. فالإسلام دين رحمة و صدق و تفائل و حكمة و حضارة . فغيروا كل هذا بالقسوة و الكذب و التشائم و الضلالة و التخلف.
فهم من يهدمون الإسلام أكثر من غيرهم . و لكن الخروج عليهم إن كان يؤدي إلى فساد أكبر و ظلم أبشع ، فلا يجوز. و قد بين رسول الله صلى الله عليه متى يجوز الخروج عليهم فقال (إلا أن تروا كفرا بواحا لكم فيه عند الله برهان .. أو كما قال صلى الله عليه وسلم).

و الخروج المنهي عنه - كما أفهم و الله أعلم - هو الخروج بالسلاح. أما المظاهرات ألسلمية التى لا تؤذي أحدا و لا تؤدي إلى هلاك الحرث و النسل فجائزة عندي. لأن الناس ما يريدون إلا حقوقهم و خروجهم هذا عبارة عن اشتداد ظلم الحاكم عليهم و عدم رضاهم بما يفعله. ثم إذا اندلعت الفتنة و بدأ الحكام يقتلون الشعب المظلوم ، فمن دافع عن نفسه فقتل فهو شهيد. و الذنب على القاتل و البادي، و الدفاع عن النفس المسلمة واجب.

و لا بد من الحكمة في طلب العدل من الحاكم الطاغي . فعلى العامة الرجوع إلى العلماء و المثقفين و العقلاء الذين يعرفون الأمور حق المعرفة و يدرون الخفايا منها و يفكرون في العواقب. فلا بد من الرجوع إليهم كما يأمر كتاب الله و لا بد من الأخذ بقولهم. فإن أمروا بالصبر فعلى العامة الصبر و عدم التهلكة و جلب الضرر لأنفسهم.  و من عصاهم فهو جاني على نفسه.
و المظاهرات السلمية و الثورات في هذا الزمن ، تبدأ بحسن النية و طلب الحقوق فحسب ، و لكن تنتهي بدمار و خراب في البلد. و الخطأ في هذا ليس فقط للحكام بل للمحكومين أيضا . فترى بعضهم يحرقون البيوت و الدكاكين و السيارات . و كل هذا لا يضر الحكام بل يغريهم عليهم فيتخذون هذا فرصة لينالوا منهم .  و العاقل من عرف قدرته و قدرة من يخاطبه.

و البعض يقولون قد أمر صلى الله عليه وسلم إزالة المنكر باليد و ينسون أنه قال ذالك لمن يستطيع.  فمن استطاع إزلة المنكر بيده فعليه ذالك و إلا فلا.
و الكلام في هذا الباب طويل جدا . و قد ألفت فيه كتب عدة. و لكن و جدت فب أكثرها ، إما إفراط في حقوق الحاكم و إما تفريط فيه.  و بعضها عادلة منصفة.

الخلاصة : الخروج على الإمام بالسيف حرام قطعا ، إلا أن ياتي بكفر بواح و عندنا قوة لإزالته. و المظاهرات السلمية و الثورات ضد ظلم الحكام في هذا الزمن ، إن كانت لا تؤدي إلى فساد أكبر و المراد منها إزالة الظلم فحسب ، حتى و لو بقي ذالك الحاكم ، فجائزة عندي. والله أعلم.

والسلام

No comments:

Post a Comment

شكرا على التعليق

كن شجاعا ....

. الشجاعة محمودة و الجبن مذموم . يطلب من الانسان أن يكون شجاعا في أقواله و أفعاله و حركاته و سكناته و عزائمه و تفكيراته و تدبيراته. الشجاعة ...